سرقة المساعدات الإنسانية.. مأساة تثقل كاهل سكان غزة

علامات استفهام حول رصد إسرائيل للعصابات وعدم التعرض لها

سرقة المساعدات الإنسانية.. مأساة تثقل كاهل سكان غزة
سرقة المساعدات الإنسانية في غزة

يواجه سكان غزة مأساة جديدة تُضاف إلى معاناتهم المستمرة جراء الحرب المستعرة والقصف الإسرائيلي المتواصل، حيث استغلت عصابات منظمة حالة الفوضى والفراغ الأمني في القطاع، لسرقة ونهب المساعدات الإنسانية المخصصة للسكان المحاصرين، ما يزيد من خطر المجاعة التي تفتك بالمدنيين.

تتركز هذه العصابات المسلحة قرب معبر كرم أبو سالم التجاري، مستغلة حالة الفراغ الأمني في تلك المناطق المحاذية للشريط الحدودي مع الجيش الإسرائيلي، ويتم ذلك تحت أعين جنود الجيش الإسرائيلي وبمراقبة طائراته الاستطلاعية، ما يثير تساؤلات حول دوره في توفير الغطاء لهذه العمليات.

وتُعترض شاحنات المساعدات على امتداد طريق صلاح الدين الرئيسي، حيث يقوم اللصوص بنهب محتوياتها من غذاء، ودقيق، ومواد صحية، وخيام، وغيرها، وتُباع هذه المواد لاحقاً في الأسواق بأسعار باهظة تفوق قدرة السكان، ما يزيد من معاناتهم في ظل الحصار والجوع.

وتعمل الجهات الأمنية في غزة جاهدة للتصدي لهذه العصابات، لكن حملاتها تتعرض للتقويض المستمر بسبب استهدافها من قبل الطائرات الإسرائيلية، ما يعطل جهودها ويعزز انتشار العصابات.

وبينما يواجه سكان غزة خطر القصف والمجاعة، تساهم هذه العمليات الإجرامية في تفاقم الأزمة الإنسانية، وباتت الحاجة ملحّة إلى تدخل دولي عاجل لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، والعمل على وضع حد للحرب والتصعيد الذي يخلق بيئة خصبة لهذه الممارسات الإجرامية.

سرقة بغطاء الجيش الإسرائيلي

وأكد مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بقطاع غزّة، أمجد الشوا، أن الجيش الإسرائيلي استهدف منظومة سيادة القانون بالقطاع مُمثلة بقوات الشرطة المدنية التي ترافق وتؤمن قوافل المساعدات؛ لخلق حالة من الفوضى، وتسهيل تفشي المجاعة بين السكان.

وقال الشوا في حديث لـ"جسور بوست": "إنّ الجيش الإسرائيلي استهدف أيضًا عناصر التأمين التابعة لشركات الأمن الخاصة التي تُؤمّن البضائع للقطاع التجاري، وهو ما فاقم من حدة الأزمة التي باتت تؤرق كل فلسطيني".

وبينما عَمَد الجيش الإسرائيلي نحو تقنين عدد الشاحنات التي يسمح بدخولها للقطاع، فإنه -بحسب "الشوا"- يفرض عليها مسارات مرور غير آمنة تلتقي مع أماكن تمركز تلك العصابات لمصادرتها والحيلولة دون وصولها لمخازن المؤسسات الدولية والإغاثية.

وبحسب المسؤول الفلسطيني، فإنّ تقليص عدد الشاحنات يُسهل على العصابات السيطرة عليها، ويُقدّم ذرائع لإسرائيل بأنها تُدخل المعونات، وأن العصابات هي من يمنع وصولها لمستحقيها، وهو منطق لذر الرماد في العيون.

ولفت الشوا إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يسمح سوى بإدخال 20 إلى 40 شاحنة في أفضل الأحوال، وهذا لا يشكل سوى 5 إلى 7 % من احتياج القطاع يوميًا.

ويشكو الفلسطينيون في القطاع من تنامي ظاهرة سرقة المساعدات واحتكارها وبيعها في الأسواق عوضًا عن توزيعها بالمجان، وهو ما استدعى تدخلاً عشائريًا بجانب الجهود الأمنية لردع اللصوص ولجم عمليات النهب.

جهود عشائرية

بدوره، وصف رئيس ملتقى العشائر بقطاع غزة، علاء العكلوك، عصابات سرقة المساعدات بـ"الفئة الضالة"، التي لم تراعِ ظروف الناس تحت الحرب والنزوح والحصار المُطبق، وهم من المُدانين بجرائم سرقات سابقة، معتبرًا إخلاء السجون منذ بداية الحرب هو من شكّل لهم تربة خصبة لممارسة سرقاتهم وسطوهم على المساعدات الإغاثية.

وأوضح العكلوك في حديث  لـ"جسور بوست" أنّ أهمية المساعدات -على قلتها- نابعة من حالة الاحتياج للمجتمع، في ظل ازدياد معدلات الفقر المدقع والبطالة المتنامية وتدهور المستوى المعيشي لكافة القطاعات الحيوية.

واعتبر أنّ حالة السرقات طارئة ودخيلة على المجتمع الفلسطيني، وهي في طور الانحسار مع التدخلات الأمنية السابقة التي واجهت العديد منهم مؤخرًا.

وشكّك رئيس الملتقى في وطنية عناصر تلك العصابات، معتبرًا إياهم مُكمّلين لسياسة الجيش الإسرائيلي الممنهجة في تجويع الشعب الفلسطيني في ظل الحرب.

ولفت العكلوك إلى أن ملتقى العشائر عقد اجتماعات مع المنظمات الأممية والإغاثية وتم رفع الغطاء العائلي عن أفراد تلك العصابات، داعيًا الأطراف كافة للوقوف أمام مسؤولياتهم والضغط على الجيش الإسرائيلي لمنع استهداف العناصر الشرطية المدنية المنوط بها تأمين قوافل المساعدات.

وفي 18 نوفمبر المنصرم، أعلنت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، مقتل 20 مسلحًا من عصابات سرقة المساعدات في عملية أمنية نفذتها بالتعاون مع لجان عشائرية.

تداعيات خطيرة

من جانبه، قال مختار عائلة الأسطل في جنوب القطاع، طه الأسطل، إنهم اجتمعوا مع ممثلي المنظمات الأممية بمن فيهم ممثلون عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وممثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وأجمعوا على ضرورة ملاحقة عصابات السطو الخارجة عن الصف الوطني، وتعمل بأريحية في المناطق الحمراء، وهي المناطق المصنفة إسرائيليًا بالخطيرة.

واعتبر الأسطل في حديثه لـ"جسور بوست" أن تلك العصابات ساهمت في غلاء الأسعار واحتكار التجار وخلو الأسواق من أي مواد أساسية.

وشدد الأسطل، على أن تلك العصابات ساهمت بتداعيات خطيرة خلال الحرب، أبرزها التساوق مع الجيش الإسرائيلي، ومحاربة الأسر والفئات الهشة في تلقي المساعدات والحصول عليها من مراكز التوزيع.

ونوه عضو لجنة العشائر إلى أن فئة اللصوص لا تمثل إلا نفسها، وأن جميع العائلات الفلسطينية رفعت الغطاء عن أفرادها المنتمين لتلك الفئات المأجورة بحسب وصفه.

غلاء فاحش

ويتهم فلسطينيون تلك العصابات بحالة الغلاء الفاحش التي انتشرت في أسواق القطاع، مشددين على ضرورة ملاحقتهم قانونيًا وعشائريًا.

وقال طارق أبو ناموس (48 عامًا) إن قُطّاع الطرق ساهموا بشكل كبير في تفشي حالة الغلاء بأسواق القطاع، بحيث ارتفع سعر كيس الدقيق زنة 25 كيلوغراما من 50 شيكلا (14 دولارا) إلى ما يقرب من 800 شيكل (220 دولارا) وهو ما يعتبره عبئًا إضافيًا أثقل كاهله في هذه الحرب.

وأضاف النازح في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، أن المواطنين يشترون هذه البضائع من التجار الذين هم بالأساس يتعاملون مع قطّاع الطرق، معتبرًا أن الحل يكمن في تدخل العائلات ومنع أبنائها من الانجرار لهذه الأعمال. 

وتساءل الفلسطيني محمد الدرزي (43 عامًا) عن وجهة المساعدات التي تقدمها المؤسسات الإغاثية في ظل تفاقم حالة المجاعة بالقطاع، معتبرًا أن حالة الغلاء طالت جميع السلع الأساسية من الدقيق وزيت القلي وغيره، مطالبًا الجهات الدولية بضرورة تأمين تلك المساعدات لإيصالها لمستحقيها.

ويرى مراقبون ومؤسسات حقوقية وإغاثية دولية ومحلية أن خطر المجاعة في القطاع وصل لمستويات كارثية؛ بسبب الحصار والقيود التي يفرضها جيش الاحتلال على وصول الإمدادات.

وفي نهاية نوفمبر، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن أسعار المواد الغذائية الأساسية في قطاع غزة، ارتفعت بنسبة تزيد على 1000 بالمئة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب.

الخبز شريان حياة

وقال البرنامج العالمي، في تغريدة على منصة إكس: "أغلقت أبواب المخابز جميعها في وسط غزة بسبب نقص الإمدادات"، مشيراً إلى أن "الخبز يعتبر شريان حياة لعديد من العائلات، وهو غالبًا الغذاء الوحيد الذي يمكنهم الوصول إليه، وقد أصبح بعيداً عن متناول الجميع"، داعيًا إلى توفير وصول آمن للمساعدات الإنسانية الحيوية في غزة.

من جهته، قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في بيان، إن "شعبنا وصل إلى مرحلة كارثية من الجوع والمعاناة ونطالب بتدخل برنامج الأغذية العالمي".

وأعرب رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أغيث سونغاي، عن قلقه إزاء مستويات الجوع، حتى في مناطق بوسط غزة، حيث تنشر منظمات الإغاثة فرقاً لها على الأرض.

وقال سونغاي معبرًا عن حجم المأساة: "إنّ مجموعات كبيرة من النساء والأطفال تنقب عن الطعام بين أكوام القمامة في أجزاء من قطاع غزة".

وأمام تلك التحديات الداخلية والخارجية، يكابد الغزيّون الصعاب، مُثقلين بالهموم والمآسي، لتبقى آمالهم معلقة بغدٍ أفضل يُنهي الحرب وويلاتها المتكاثرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية